الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال صلى الله عليه وسلم: «فجاوزناها فمررنا بملائكة كثيرة لا يحصى عدتهم إلاّ الله عزّ وجلّ منهم وجوه بين كتفيه ووجوه في صدره في كل وجه أفواه والسن، فهو يحمد الله ويسبحه بتلك الألسن ورأيت من أجسامهم وخلقهم وعبادتهم أمرًا عظيمًا، ثمّ جاوزناها فإذا برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء كما ينقص من خليقة الناس عن يمينه باب تخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب تخرج منه ريح خبيثة إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك فإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى بحزن، فقلت: يا جبرئيل من هذا وما هذان البابان؟ قال: هذا أبوك آدم عليه السلام هذا الباب عن يمينه باب الجنة إذا نظر إلى من يدخل من ذريته الجنة ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم إذا نظر إلى من يدخل من ذريته جهنم بكى وحزن قال: ثمّ صعدنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبرئيل عليه السلام فقيل: من هذا؟ قال: جبرئيل. قيل ومَن معك؟ قال: محمّد، قيل: وقد أرسله الله قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة فنِعم الأخ ونعِم الخليفة ونعم المجيء، فدخلنا فاذا بشابين فقلت: يا جبرئيل من هذان الشابان؟ فقال: هذا عيسى ويحيى أبناء الخالة. قال: ثمّ صعدت إلى السماء الثالثة فاستفتح فقالوا: من هذا؟ قال: جبرئيل. قيل ومَن معك؟ قال: محمّد. قالوا: وقد أُرسل محمّد؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة فنِعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، فدخلنا فإذا برجل قد فُضّل على الناس بالحسن كأفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب قلت: من هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا أخوك يوسف عليه السلام».قال صلى الله عليه وسلم: «ثمّ صعد بي إلى السماء الرابعة فاستفتح قالوا: من هذا؟ قال: جبرئيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمّد. قالوا: وقد أُرسل محمّد؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، فدخلنا فإذا برجل من حاله كذا فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا إدريس رفعه الله مكانًا عليًا وهو مسند ظهره إلى دواوين الخلائق التي فيها أمورهم قال: ثمّ صعد بي إلى السماء الخامسة فإستفتح قالوا: من هذا؟ قال: جبرئيل. قالوا: من معك؟ قال: محمّد قالوا: وقد أُرسل محمّد؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء قال: ثمّ دخلنا فإذا برجل جالس وحوله قوم يقصٌّ عليهم فقلت: ياجبرئيل من هذا؟ ومن هؤلاء الذين حوله؟ قال: هذا هارون المحبب وهؤلاء الذين حوله بنو إسرائيل».قال: «ثمّ صعدنا إلى السماء السادسة فإستفتح فقالوا: من هذا؟ قال: جبرئيل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمّد؟ قالوا: وقد أُرسل محمّد؟ قال: نعم قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، ثمّ دخلنا فإذا برجل جالس فجاوزناه فبكى الرجل فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ قال: هذا موسى. قلت: فماله يبكي؟ قال: يزعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم على الله عزّ وجلّ، وهذا رجل من بني آدم وقد خلفني في دنياه وأنا في أخرتي فلو أنه بنفسه لم أبال ولكن مع كل نبي أمته».قال: «ثمّ صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا؟ قال: جبرئيل. قيل ومن معك؟ قال: محمّد. قالوا: وقد أرسل محمّد؟ قال: نعم. قالوا: حيّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، ثمّ دخلنا فإذا برجل [أشمط] جالس على كرسي عند باب الجنة وعنده قوم جلوس [بيض] الوجوه أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شيء [...] فقام الذين في ألوانهم شيء فدخلوا نهرًا فاغتسلوا فيه فخرجوا منه وقد خلص من ألوانهم شيء، ثمّ دخلوا نهرًا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم وصارت مثل ألوان أصحابهم فجاءوا فجلسوا إلى جنب أصحابهم فقلت: يا جبرئيل من هذا الأشمط ومن هؤلاء وما هذه الأنهار؟ قال: هذا أبوك إبراهيم عليه السلام أوّل من شمط على الأرض، وأما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم، فأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا فتابوا فتاب الله عليهم، وأما الأنهار الثلاثة فأولها رحمة الله والثاني نعمة الله والثالث سقاهم ربهم شرابًا طهورًا قال: فإذا إبراهيم مستند إلى بيت فسالت جبرئيل، فقال: هذا البيت المعمور يدخل فيه كل يوم سبعون الف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم. قال: فاتي بي جبرئيل حتّى إنتهينا إلى سدرة المنتهى فإذا أنا بشجرة لها أوراق الواحدة منها مغطية الدنيا بما فيها وإذا شقها مثل هلال هجر تخرج من أصلها أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فسألت عنها جبرئيل فقال: أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهرين فالنيل والفرات ويخرج أيضًا من أصلها {أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} [محمد: 15] وهي على حد السماء السابعة مما الجنة وعروقها وأغصانها تحت الكرسي».قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنتهيت إلى سدرة المنتهى وأنا أعرف أنها سدرة المنتهى وأعرف ورقها وثمرها فغشيها من نور الله ما غشيها وغشيتها الملائكة كأنهم جراد من ذهب من خشية الله تعالى فلما غشيها ما غشيها تحولت حتّى ما يستطيع أحد منعها، قال: وفيها ملائكة لا يعلم عدّتهم إلاّ الله عزّ وجلّ، ومقام جبرئيل في وسطها فلما إنتهيت إليها قال لي جبرئيل: تقدم. فقلت: أقدم من؟ تقدم أنت يا محمّد فإنك أكرم على الله مني، فتقدمت وجبرئيل على أثري حتّى انتهى بي إلى حجاب فراس الذهب فحرك الحجاب. فقال: من ذا؟ قال: أنا جبرئيل ومعي محمّد. قال الملك: الله أكبر فأخرج يده من تحت الحجاب فاحتملني وخلف جبرئيل فقلت له: إلى أين؟ قال: يا محمّد ومامنا إلاّ له مقام معلوم إن هذا منتهى الخلائق، وإنما أذن لي في الدنو إلى الحجاب لاحترامك ولجلالك».قال: «فإنطلق بي الملك أسرع من طرفة عين إلى حجاب اللؤلؤ فحرك الحجاب. قال الملك: من وراء الحجاب: من هذا؟قال: أنا صاحب فراس الذهب وهذا محمّد رسول العرب معي فقال الملك: الله اكبر وأخرج يده من تحت الحجاب فأحتملني حتّى وضعني بين يديه فلم أزل كذلك من حجاب إلى حجاب حتّى جاوزوا بي سبعين حجابًا غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام وما بين الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام، ثمّ دلّى لي رفرف أخضر يغلب ضوءه ضوء الشمس فألتمع بصري ووضعت على ذلك الرفرف ثمّ إحتملني حتّى وصلني إلى العرش فلما رأيت العرش إتضح كل شيء عند العرش فقربني الله إلى سند العرش وتدلى لي قطرة من العرش فوقف على لساني فماذاق الذائقون شيئًا قط أحلى منها فأنباني الله عزّ وجلّ بها نبأ الأولين والآخرين وأطلق الله لساني بعد ما كلّ من هيبة الرحمن، فقلت: التحيات لله والصلوات الطيبات. فقال الله تعالى: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال: يا محمّد هل تعلم فيم اختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: أنت أعلم يارب بذلك وبكل شيء وأنت علام الغيوب. قال: اختلفوا في الدرجات والحسنات، فهل تدري يا محمّد ما الدرجات وما الحسنات؟ قلت: أنت أعلم يارب. قال: الدرجات إسباغ الوضوء في المكروهات والمشي على الأقدام إلى الجماعات وإنتظار الصلوات بعد الصلاة والحسنات إفشاء السلم وإطعام الطعام والتهجد بالليل والناس نيام ثمّ قال: يا محمّد آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه؟ قلت: نعم أي رب. قال: ومن؟ قلت: والمؤمنين {كُلٌّ آمَنَ بالله وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] كما فرقت اليهود والنصارى. فقال: ماذا قالوا؟ قلت: قالوا: سمعنا قولك وأطعنا أمرك. قال: صدقت فسل تعط. قال: فقلت: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المصير} [البقرة: 285] قال: قد غفرت لك ولأمتك سل تعطه؟ فقلت: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قال: قد رفعت الخطأ والنسيان عنك وعن أمتك وما استكرهوا عليه، قلت: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قال: قد فعلت ذلك بك وبأمتك. قلت ربنا {واعف عَنَّا} [البقرة: 286] من الخسف {واغفر لَنَا} [البقرة: 286] من القذف {وارحمنآ} [البقرة: 286] من المسخ {أَنتَ مَوْلاَنَا فانصرنا عَلَى القوم الكافرين} [البقرة: 286] قال: قد فعلت ذلك لك ولأُمتك، ثمّ قيل: لي سل فقلت: يارب إنك إتخذت إبراهيم خليلًا، وكلمت موسى تكليمًا، ورفعت إدريس مكانًا عليًا، وآتيت سليمان ملكًا عظيمًا، وآتيت داود زبورًا، فمالي يارب؟ قال ربي: يا محمّد اتخذتك خليلي كما اتخذت إبراهيم خليلًا وكلمتك كما كلمت موسى تكليمًا وأعطيتك فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة وكانا من كنوز العرش ولم أعطها نبيًا قبلك، وأرسلتك إلى أهل الأرض جميعًا أبيضهم وأسودهم وإنسهم وجنّهم ولم أرسل إلى جماعتهم نبيًا قبلك وجعلت الارض كلها برّها وبحرها طهورًا ومسجدًا لك ولأمتك وأطعمتك وأمتك الفيء ولم أطعمه أمة قبلهم ونصرتك بالرعب على عدوك مسيرة شهر، وأنزلت عليك سيد الكتب كلها ومهيمنًا عليها قرآنًا فرقناه ورفعت لك ذكرك فتذكر كلما ذكرت في شرائع ديني، وأعطيتك مكان التوراة المثاني ومكان الانجيل المبين ومكان الزبور الحواميم، وفضلتك بالمفصّل وشرحت لك صدرك ووضعت عنك وزرك وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس وجعلهم أمة وسطًا وجعلتهم الأولين وهم الآخرون فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين».قال صلى الله عليه وسلم: «ثمّ فوّض لي بعهد بعدها أمور لم يؤذن لي أن أخبركم بها ثمّ فرضت عليَّ وعلى أُمتي في كل يوم وليلة خمسون صلاة فلما شهد اليَّ بعهده وتركني عنده ما شاء قال لي: إرجع إلى قومك فبلغهم عني فَحملني الرفرف الأخضر الذي كنت عليه يخفضني ويرفعني حتّى أهوى بي إلى سدرة المنتهى فإذا أنا بجبرئيل عليه السلام أبصره خلفي بقلبي كما أبصر بعيني أمامي، فقال لي جبرئيل: ابشر يا محمّد فإنك خير خلق الله وصفوته من النبيين حياك الله بما لم يحيي به أحدًا من خلقه لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا ولقد وضعك مكانًا لم يصل إليه أحد من أهل السماوات والأرض فهنّاك الله كرامته وما حباك من المنزلة الأثيرة والكرامة الفائقة، فخذ ذلك وإشكر فإن الله منعم يحب الشاكرين فحمدت الله على ذلك ثمّ قال لي جبرئيل: إنطلق يا محمّد إلى الجنة حتّى أُريك مالكَ فيها فتزداد بذلك في الدنيا زهادة إلى زهادتك وفي الآخرة رغبة إلى رغبتك فسرنا نهوي منفضين أسرع من السهم والريح حتّى وصلنا بإذن الله إلى الجنة فهدأت نفسي [وثاب] إليَّ فؤادي وأنشأت أسأل جبرئيل عما كنت رأيت [في الجنة] من البحور والنار والنور وغيرها، فقال: سبحان الله تلك سرادقات عرش رب العزة التي أحاطت بعرشه فهي سترة الخلائق من نور الحجب ونور العرش لولا ذلك لأحرق نور العرش ونور الحجب من تحت العرش من خلق الله ومالم تره أكثر وأعجب، قلت: سبحان الله ما أكثر عجائب خلقه قلت: يا جبرئيل ومن الملائكة الذين رأيتهم في تلك البحور الصفوف بعد الصفوف كأنهم بنيان مرصوص؟ قال: يا رسول الله هم الروحانيون الذين يقول الله: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة} [النبأ: 38] ومنهم الروح الأعظم، ثمّ بعد ذلك قلت: ياجبرئيل فمن الصف الواحد الذين في البحر الأعلى فوق الصفوف كلها قد أحاطوا بالعرش؟ قال: هم الكروبيون أشراف الملائكة وعظمائهم ولايجتري أحد من الملائكة أن ينظر إلى ملك من الكروبيين وهم أعظم شأنا من أن أصف صفتهم لك وكفى مارأيت منهم، ثمّ طاف بي جبرئيل في الجنة بإذن الله فما نزل منها مكانًا إلاّ رأيته وأخبرني عنه فرأيت القصور من الدر والياقوت والاستبرق والزبرجد ورأيت الأشجار من الذهب الأحمر قضبانهم اللؤلؤ وعروقهن الفضة راسخة في المسك فلأنا أعرف بكل قصر وبيت وغرفة وخيمة ونهر وثمر في الجنة مني بما في مسجدي هذا قال: ورأيت نهرًا يخرج من أصله ماء أشد بياضًا من اللبن واحلى من العسل على رضراض دُرّ وياقوت ومسك أذفر. فقال جبرئيل: هذا الكوثر الذي أعطاك الله عزّ وجلّ وهو التسنيم يخرج من دورهم وقصورهم وبيوتهم وغرفهم يمزجون بها أشربتهم من اللبن والعسل والخمر فذلك قوله: {وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27] {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله} [الإنسان: 6] الآية ثمّ انطلق بي يطوف في الجنة حتّى انتهينا إلى شجرة لم أر شجرة مثلها، فلما وقفت تحتها رفعت رأسي فإذا أنا لا أرى شيئًا من خلق ربي غيرها لعظمها وتفرق اغصانها ووجدت فيها ريحًا طيبة لم أشم في الجنة ريحًا أطيب منها فقلّبت بصري فيها فإذا ورقها حلل طرايف من ثياب الجنة من بين أبيض وأحمر وأخضر وثمارها أمثال القلال العظام من كل ثمرة خلقها الله في السماوات والأرضين من ألوان شتى وطعوم شتى وريح شتى، فعجبت من تلك الشجرة وما رأيت من حسنها. قلت: ياجبرئيل ما هذه الشجرة؟ قال: هذه التي ذكرها الله عز وجلّ وبشرى لهم {وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: 29، ص: 25، 40] ولكثير من أمتك ورهطك في ظلها حسن مقيل ونعيم طويل ورأيت في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كل ذلك مفروغ عنه معدّ إنما ينتظر به صاحبه من أولياء الله عزّ وجلّ وما غمني الذي رأيت قلت: لمثل هذا فليعمل العاملون ثمّ عرض عليَّ النار حتّى نظرت إلى أغلالها وسلاسلها وحيّاتها وعقاربها وغساقها ويحمومها، فنظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكلّ بهم من يأخذ بمشافرهم، ثمّ يجعل في أفواههم صخرًا من نار تخرج من أسافلهم. قلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا. ثمّ انطلقت فإذا أنا بنقر لهم بطون كأنها البيوت وهم على سابلة آل فرعون فإذا مرَّ بهم آل فرعون ثاروا فيميل بأحدهم بطنه فيقع فيتوطأهم آل فرعون بأرجلهم وهم يعرضون على النار غدوًا وعشيًا. قلت: من هؤلاء ياجبرئيل؟قال: هؤلاء أكلة الربا ومثلهم كمثل {الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس} [البقرة: 275] ثمّ إنطلقت فإذا أنا بنساء معلقات بثديهن منكسات أرجلهن. قلت: من هؤلاء ياجبرئيل؟ قال: هن اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن ثمّ أخرجني من الجنة فمررنا بالسموات منحدرًا من السماء إلى السماء حتّى أتيت على موسى فقال: فما فرض الله عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. فقال موسى: أنا أعلم بالناس منك وأني [سرت] الناس بني إسرائيل وعالجتهم أشد المعالجة وأن أمتك أضعف الأمم فارجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لن تطيق ذلك. قال: فرجعت إلى ربي».وفي بعض الأخبار: «فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجدًا، قلت: يا رب فرضت عليَّ وعلى امتي خمسين صلاة ولن أستطيع أن أقوم بها ولا أمتي فخفّف عني عشرًا. فرجعت إلى موسى فسألني فقلت: خفف عني عشرًا. قال: ارجع إلى ربك فأسأله التخفيف فإن أمتك أضعف الأمم فإني قد لقيت من بني إسرائيل شدة. قال: فرجعت فردّها إلى ثلاثين فما زلت بين ربي وبين موسى عليه السلام حتى جعلها خمس صلوات فأتيت موسى عليه السلام فقال: إرجع إلى ربك فأسأله التخفيف. فقلت: فإني قد رجعت إلى ربي حتّى استحيت وما أنا براجع إليه، قال: فنوديت أني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلوات، ولا يبدل القول لدي فخمسة بخمسين فقم بها أنت وأمتك إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي بالحسنة عشر أمثالها لكل صلاة عشر صلوات. قال: فرضيَّ محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا وكان موسى عليه السلام من أشدهم عليه حين مرَّ به وخيرهم لهم حين رجع إليه ثمّ انصرفت مع صاحبي وأخي جبرئيل لايفوتني ولا أفوته حتّى انصرف بي إلى مضجعي وكان كل ذلك ليلة واحدة من لياليكم هذه فأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وبيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وإليَّ مفاتيح الجنة يوم القيامة ولا فخر، وأنا مقبوض عن قريب بعد الذي رأيت فإني رأيت من آيات ربي الكبرى مارأيت وقد أحببت اللحوق بربي عزّ وجلّ ولقاء من رأيت من إخواني، وما رأيت من ثواب الله لأوليائه {وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى} [القصص: 60] قال: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به وكان بذي طوى قال: يا جبرئيل إن قومي لا يصدقونني قال: يصدقك أبو بكر وهو الصديق رضي الله عنه».
|